هناك أكثر من باب لدخول التاريخ وتفسيره، الباب المادى لصاحبه كارل ماركس، والباب الفردى الذى يركز على السمات الشخصية لبعض الابطال التاريخيين، وصاحب هذا الباب هو الفيلسوف الألمانى هيجل.
أما نحن – أقصد بعض المسلمين من العرب – فيختصون بالتفسير الدينى للتاريخ، أى دور الدين فى انتصار المجتمعات أو هزيمتها، ولعلنا نذكر ما قاله الشيخ الشعراوى لتفسير أسباب الهزيمة فى 67، حين قال إن بعدنا عن الله وتفشى ظاهرة الإلحاد كانت السبب وراء هزيمتنا التى اطلقنا عليها اسم " النكسة ".
بينما ذهب البعض الآخر فى نفس الاتجاه قائلين إن الهزيمة من إسرائيل كانت انتقاما إلهيا لإعدام سيد قطب ورفاقه من الإخوان المسلمين عام 1965، وقد سجد الشعراوى لله شكرا على هزيمة 67 لانه رأى أن العرب لو انتصروا بالسلاح الروسى الملحد لتفشت الشيوعية وساد الإلحاد فى جميع أنحاء البلاد طولا وعرضا، أما آخر ما أتحفنا به البعض فى هذا المضمار فهو ما قيل من أن اللاعب المصرى محمد صلاح قد تعرض للاصابة بسبب إفطاره فى ذلك اليوم وعصيانه لله من أجل اللعب !!
وردا على هذه الهرطقات كان يمكن للمرء أن يفطر بسبب خروجه عن الشعور الطبيعى للإنسان الصائم، ولكن يكفى أن نعرض هذه الهرطقات على العقل ليقول لنا لو كان بعدنا عن الله هو سبب هزيمة 67، فإن ذلك يعنى أن إسرائيل قد انتصرت لأنها كانت أقرب منا الى الله، وأن موشى ديان وجولدا مائير وبيريز كانوا أكثر إسلاما من عبدالناصر وكل الحكام العرب، وأن السلاح الروسى الذى انتصر على الألمان فى الحرب العالمية الثانية كان بإلحاده أقرب إلى الله من السلاح النازى فى أيدى قوات هتلر.
ولو كان إفطار محمد صلاح يوم المباراة هو السبب فى إصابته، آآ لكان أولى بتلك الاصابة كل لاعبى ريال مدريد بل ولاعبى ليفربول لانهم كانوا جميعا مفطرين. ثم إن اللاعب السنغالى المسلم وزميله التركى فى فريقه الانجليزى كانا مفطرين مثل صلاح ولم تلحق بأحدهما نفس الاصابة التى لحقت بصلاح.
لا شك فى أن الترويج لمثل هذه الاراء وتصديقها والعمل بها سيجعلنا نترك أسباب النصر الحقيقية من بذل العرق فى التدريب والأخذ بأسباب التفوق والاتكال على أسباب اخرى بعيدة عن التأثير فى العمليات على الأرض والاكتفاء بالنظر إلى السماء فى انتظار الاستجابة لدعاء النساء والضعفاء، متجاهلين ما أمرنا به الله من إعداد ما استطعنا من قوة ومن رباط الخيل، ولو كان نصر الله يأتى للمؤمنين فقط ما هزم النبى ورجاله فى معركة، ولو جئنا بفريق على رأسه الخلفاء الراشدين لنواجه به فريقا من الدرجة الرابعة لانهزم أمامه، لأنه لم يعرف ما هى كرة القدم ولم يلم بأسباب التفوق فيها!
-----------
المقال منشور في المشهد الأسبوعي (عدد الثلاثاء 29 - 5 - 2018)
آ